ارجوك التفتي...

حينما أجلس وحيدا أتذكرك أنت، أتذكر ذلك اليوم الذي سحرتني فيه، ﻻ أعلم ماذا جرى لي، وﻻ ما حدث لجوارحي، كنت أمشي وحيدا كعادتي، شارد الذهن في أول أيام من الامتحان في الجامعة، أفكر فيه وكيف سأجتازه، فإذا بملاك جالس أمامي، جالس وحيدا مثلي، شعرت أنه نزل من السماء خصيصا من أجلي، لكنه لم يعر لي انتباها، لعل هذا جزء من الامتحان، كان جالسا والشمس ترسل شعاعها لينعكس على وجهه، وليضيف نورا على نوره أعماني عن رؤية العالم من حولي، لأراك أنت، فلم أشعر بجسدي يتحرك نحوك، ولم أشعر بلساني ليلقي بالتحية فتقابل برد أسرني، جرني لأجلس بجنبك دون حتى استئذان، رأيت جمالا ينبع من عينيك ﻻ وجود له في الكون بأسره، تتحدثين هنا بجانبي، تحت أشعة الشمس المشرقة، في هذه اللحظة الرائعة، أيقنت أنك الأروع، جسمي هنا لكني كنت أحلق هناك بين النجوم، فعينيك كانتا الكون الفسيح في نظري، يناديني لأسبح فيه لأغرق فيه، كيف؟ كيف لم ألاحظ هذا الملك السماوي منذ أول يوم لي هنا، لابد أنه قدم من مكان ما من مكان بعيد من غير العالم الذي أعيش فيه. فمجرد الجلوس بجنبك للحظة أنساني هَمَّ الامتحان والجامعة واﻷساتذة، أنساني كل شيء، لأتذكرك أنت وحدك طول حياتي، مجرد سماع كلمات تنبع من شفتيك الطاهرتين، جعلني أتأكد أني كنت أصما لم أسمع قط صوت حقيقة، صوتك أنت، مجرد نظرة في عينيك جعلت ما سواهما ﻻ يستحق أن أنظر إليه.
أنت لؤلؤة أضاءت في طريقي، حاولت أن ألتقطها، لكنها أفلتت مني، حاولت مرارا وتكرارا لكن دون جدوى، يا لحظي التعيس، حاولت وحاولت، إلى أن فقدت اﻷمل، فقدت الحياة، أصبحت كالمحيط بلا ماء، كالسفينة بلا شراع ولا قبطان، صرت جسدا بلا روح ولا حياة ولا أمل، صرت كتلة من لحم وعظم تسير في هذه الدنيا بلا غاية ولا هدف، فقد كنت أنت نوري في الحياة، أنت هدفي الذي أحيا له، أنت أملي الذي أقاتل وأموت من أجله، لكن اليوم ها قد ذهبت وتركتني جنديا من غير سلاح بين صفوف العدو.
يضيئ الفجر ثم ينسحب، مثل أمواج البحر، لا أستطيع توقع متى تعلو ولا متى تدنو، أعيش في ترقب ورجاء، أنتظر يوما تعودين فيه من أجلي، لتضيئي أمامي الطريق، إني ضائع ﻻ أعلم أين أنا ولا في أي طريق أسير، أنت قائدي وشراعي في بحر الحياة، أنت أملي ورجائي، أنت سبب وجودي، أرجوك عودي، التفتي إلى ذاك المكان، لا زلت هناك، في نفس المكان أين أسرتني، إني جالس انتظر قدومك لتخلصيني، كل يوم أنتظر ابتسامتك التي تشفي جميع عللي، أنتظر منك أن تعيد الحياة لي، أنتظر لمسة منك تنسيني من أنا اﻵن، وتعيدني ذلك الشخص الذي كان جالسا بجنبك يومها، في ذلك الكرسي، تحت أشعة الشمس المشرقة تلك، في ذلك البرد الذي كنت ترتجفين بسببه، وكذلك كنت، فقط أرجوك التفتي.
نورالدين الواهج

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

2 التعليقات

التعليقات
6 مارس 2016 في 1:35 م حذف

أحاسيس و مشاعر جميلة

رد
avatar
7 مارس 2016 في 12:03 ص حذف

وذوقك اﻷجمل :) شكرا أخي العزيز.

رد
avatar