رغم المعاناة، رغم أنف المستعمر والعدو

تلاميذ مدرسة تجمع "أبو النوار" بعد هدم المستدمر لمدرستهم

هاهو التاريخ يعيد نفسه، رأينا قبل أيام "حفاة الأرجل ولكن…" كانوا جزائريين في الخمسينيات أيام الاستدمار، وها نحن اليوم مع صورة جديدة لأبناء فلسطين أبناء القدس، يعانون الأمرّين، بين يدي برد قارص، تحت قطرات المطر، لا سقف يحميهم، ولا جدران تضُمُّهم تمنع عنهم الريح العاتية، ولا مدفأة تردّ عنهم البرد الشديد، رغم كل هذا لا زال إيمانهم بأن العلم هو المفتاح.
نعم العلم هو المفتاح والباب والطريق، إنه جسر النجاح والنجاة، لكن هل نؤمن بهذا حقًا؟ أم نحن في حاجة إلى مستعمر (أو بالأصح مستدمر) يسلب منَّا حرّيتنا حتى نستفيق؟ تحدثت في مقالة ماضية عن "أعظم كلمة عرفتها البشرية" إنها كلمة إقرأ، كيف نزلت، وكيف خصّهاالله تعالى باهتمامكبيركإشارة لأهمية وعظمة العلم وطلبه، فـ "الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله" (كما قال الإمام عليٌّ كرّم الله وجهه).
نرى في الكثير من الصور والمشاهد كيف يولي من كان في حالة لا يحسد عليها اهتمامًا كبيرا بالعلم، بل وصارت المدارس ملاجئ لهم، وجدوا الحرية في السباحة في بحر العلوم، وجدوا المتنفس بين يدي اﻷساتذة والمشائخ، ونحن في نعمة وألف نعمة، لكن هل لنا نفس الحرقة على طلب العلم؟ هل علينا أن نكون في نفس الوضع حتى نسارع إلى تطوير أنفسنا؟
علينا أن نحسّ ونستشعر الحاجة والنقص الذي نعاني منه، فاﻹنسان مهما بلغ من تطور ورقي، إلّا أنّه مازال يستطيع التقدم أكثر، وهو بحاجة دائمة إلى العلم على اﻷقل حتى يحافظ على ذاك المستوى، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
قبل أيام كنت في طهران عاصمة الحضارة الإيرانية، تعجّبت كثيرًا لاهتمامهم بالعلم، لكن ما عجبت له أكثر هو وجود كشك في كل محطة مترو، به عالم وعالمة دين، إن كان لك أي استفسار حول مسألة فقهية يمكنك أن تجدهم بالقرب منك وفي أي وقت، تسألهم عن حاجتك فيجيبون لك، تصوروا وفي العاصمة وحدها حوالي 300 كلم من خطوط المترو،وفي كل محطة عالمين، تصوروا هذا العدد الهائل من العلماء، ونحن كم من عارفين في الدين عندنا؟ وهل مستوى هؤلاء العارفين يرقى لأن يقارن بمستوى أولائك؟ هذا إن تحدثنا عن علماء الشريعة فقط، فكيف بعلماء التخصصاتالدنيوية، وهم لديهم أفضل الأطباء والمهندسين، إضافةالاكتفاء الذاتي تقريبًا في كل المجالات، حتى وأنت تتجول في مكتباتهم تجد أنّ أكثر من 95% من الكتب كلها في اللغة الفارسية، هذا في المكتبات قرب الجامعة، والكتب في التخصصات التقنية والطبية والهندسية… فهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على عدم حاجتهم للغرب، وأن النجاح صنعوه بأيديهم…

جامعة أزاد الإسلامية بقزوين

إنهم أمة آمنوا بأن العلم هو المـخَلِّص، عرفوا مكانة العلم، فالعالم كله اليوم يشهد بقوتهم ومكانتهم، لقد احتلوا مكانة عظيمة يحسب لها ألف حساب، ما كانوا مستعمرين مثل استعمار فرنسا للجزائر، ولا مثل استعمار إسرائيل لفلسطين … لكنهم استشعروا الحاجة فحوّلُوها إلى قوة، ضيّق عليهم العدو وأغلق أمامهم اﻷبواب، فأثبتوا له أنهم ليسوا بحاجة إلى فضله حتى يحقق التطور والنجاح، إنهم مثال على التضحية واﻹيمان القوي.
سواء أبناء الجزائر في الخمسينيات، أو أبناء إيران أمس واليوم، أو أبنا فلسطين غدًا، صنعوا ويصنعون مجدًا بأيد فارغة، وأرجل حافية، بل بمنع وتضييق من الخارج، فما هو المجد الذي من المفروض أن نبنيه وقد فتحت أمامنا جميع اﻷبواب، ومدّت إلينا جميع اﻷيادي؟… 
نورالدين الواهج

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة