بين عالمين…


بين عالمين… فكرة دائمًا ما تراودني، ويزداد تعلُّقي بها كلَّ يومٍ وبعد كلِّ تجربة، فكرة أن الإنسان يعيش في عالمين اثنين، أمَّا الأول فهو في دائرته الخاصة القريبة منه، أما الثانية فعالم حدوده تتسع وتبتعد كلما حاولنا الوصول إليها.

في الدائرة الخاصة نجد ما هو متعلق بالشخص ذاته، محيطه الأسري والمهني والاجتماعي… أهدافه أحلامه وآماله الشخصية… الأشياء المحيطة به، المعلومات التي اكتسبها والمهارات التي أتقنها… ببساطة كل ما يتعامله معه أو به أو من خلاله في حياته اليومية.

خارج حدود هذه الدائرة الخاصة نجد الكثير الكثير مما يستحيل ذكره كلَّه، لكن أكتفي بالإشارة إلى بعض الأمور التي قد تساعد في إيضاح الفكرة، فخارج هذه الحدود نجد الأمة والإنسانية جمعاء، لا، بل نجد كل العالم بما يحويه من نبات حيوان أو جماد، ولكل هؤلاء نجد أحلامًا وآمالاً، نجد آلامًا وأحزانًا… نجد من العلم ما لم نستطع التعرف عليه حتى، نجد من المهارات ما لا يمكننا تجبرتها ناهيك عن التمكن منها جميعًا… نجد من العادات والثقافات ما لم يتمكن خيالنا يوما رسمه لنا… والكثير الكثير…

كلّما حاول الواحد منّا الخروج من تلك الدائرة، اكتشف ضيقها وصغر حجمها ومحدوديتها، اكتشف أنّ جميع مشاكله لا تساوي شيئا أمام المشاكل التي تواجه الجميع خارجها، اكتشف أنّ أحزانه وآلامه ما هي إلا قطرة من محيط لا قعر ولا ساحل له مقارنة بما هو خارج تلك الدائرة…

كلّما حاول الإنسان الخروج من دائرة معارفه، اكتشف مدى جهله وأيقن أنّ لحظات الغرور التي تأخذه أحيانًا بسبب جدال فاز فيه، أو سؤال أجاب عليه، أكبر خطيءة قد يرتكبها، كلما خرج من تلك الدائرة ازداد إيمانه أن تلك الدائرة التي كان يغرق فيها أحيانًا ما هي إلا نقطة متناهية الصغر في فضاء متناهي الكبر، تماما مثلما نرى حجم الكرة الأرضية من الداخل أو من الخارج، فرق كبير يا عم.

إذا تزاوجت اللا نهايتان (لا نهاية صغر حجم الدائرة التي يعيش فيها الإنسان، ولا نهاية كبر ما خارجها) داخل عقل أي شخص، ولدت حكمة لا متناهية مضاعفة…

لكن متى يمكن لـ "اللا نهايتين" أن تتزاوجا؟ بل هل هذا ممكن؟
نورالدين الواهج

آه يا قلبي...!


آه يا قلبي الجريح
كم من الدم عليك أن تفقد حتى تستريح
كم من الدمع عليك أن تستبيح
منحتهم من المساحة المكان الفسيح
فقابلوا عطاءك بشيء شحيح

آه يا قلبي الحزنان
قدّمت لهم الحب والحنان
رموك بالشوك والخذلان
زرعت فيهم الثقة والاطمئنان
فقطفت منهم الذل والهوان

آه يا قلبي المغبون
إنّا في زمنٍ، الطّيب فيه مجنون
أمّا الخِبُّ، فهو المكرّم المصون

دع القلب يبكي ولا تبالي، فمهما وصل صوتك إلى الأعالي
تنادي... ولو ناديت لأسمعت حيا... لكن لا حياة لمن تنادي

دع العين تدمع، ولو كان الدمع للقدر عاجزا أن يدفع
فالقلب يبكي، والروح تفجع...

نورالدين الواهج

كن نور نفسك


قد تنطفئ جميع الأضواء أمامنا ....
ويبتعد الجميع من حولنا .....
نجد أنفسنا وحيدين وسط ظلام دامس ....
يلقي الصمت غطاءه على كل شيء....
لكن.... لكن سرعان ما ينطلق صوت من داخلنا ينادي...
ينادي ويصرخ عاليا: "
-ما بك ؟
-ماذا جرى لك؟
-أترضى أن تموت وأنت حي؟
-وكل هذه اﻵمال داخلك تقتلها ببرودة دم؟
-كل شيء حلمت به يومًا من حقه أن يتحقق، أيرضيك أن تسلبه حقه؟
 -كل حال تصورت أن تكون فيها، لم تتصورها إلا لأنك تستطيع أن تصل إليها."
 فنجيبه:"
-لكن كل الأبواب موصدة...
-لكن كل اﻵمال على حبل المشنقة معلقة...
-لكن كل الطرق أمامنا مقفلة...
-لكن كل شيء أردناه لم يكن...
-لكن ..."
"كيف تقول هذا وأنت تملك من اﻹرادة ما يلزم، إنك تركتها نائمة، أيقضها وحقق المستحيل، قد تقول أن كل شيء أردته لم يكن، لكن أنظر إلى نفسك أين أنت اليوم وأين كنت أمس؟ أنظر إلى الدنيا من حولك، إنها تسير وتسير وتسير، إنها لا تنتظر، كن مصدر النور الذي تحتاجه، امنح أحلامك فرصة في الحياة، امنحها من وقتك، امنحها من جهدك، وكل على يقين أنها عندما تحيى لن تتوانى عن منحك السعادة والهناء، وراحة النفس. فقط امنحها شيئا من نفسك، وستغرقك بالعطاء بعدها.
فما كان بعد المنع إلا العطاء...
ولا بعد العسر إلا يسرًا....
وما كان بعد القطيعة إلا الوصال...
ولا بعد اليأس إلا اﻷمل...
وما كان بعد الغروب إلا الشروق...
فإن لم يأت بعد الظلام نور، كنت أنت نور نفسك."
نورالدين الواهج

من أجل كل بسمة …


من أجل كل بسمة تخفي ألمًا...
من أجل ألم يختبئ وراءه أمل محتشمًا...
ما كان هذا الألم يومًا دائمًا…
فبعد كل غروب كان الشروق قادمًا…

من أجل كل بسمة تخفي حزنًا
إنّ مع كل عسر يسرًا، من الرحمان خبرًا يقينًا…
حزنك هذا لن يكون إلا دخانًا… والفضاء له حاضنًا...
ومهما طال بك الأسى فإن البهجة ستكون لك يوما عنوانًا…

من أجل كل بسمة تخفي غيرها…
سينقضي الظلام ويقبل الضياء…
سينتهي عصر العذاب ويبدأ عصر الارتياح…
إن لكل شيء جمالا، ولكل حادثة خيرا، ولكل وقعة حكمة…
فخذ الجمال والخير والحكمة، واجعلهم ألوانًا لبسمتك…
فما وهبت هذه الحياة إلا لأنه بمقدورك تخطّي كل الصعوبات فيها…
فاجعل بسمتك تلك تنبع من الداخل…
واجعل بسمتك تلك تقلب آلامك آمالا، وأوجاعك لذة، وأحزانك سرورا…
نورالدين الواهج

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ...

"اﻹبتهال إلى الله"
للفنان محمود فرشجيان
دعوة وأمر صريحين من الله تعالى بالتوجه إليه بالدعاء، بل ووعد بالاستجابة في قوله "اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم" فنحن الفقراء في كل شيء، نحن المحتاجون إلى قوة تعيننا على خوض هذه الحياة، لكن هل نتوجه إلى الله بالدعاء؟ هل نطلب حاجاتنا من القوي الذي لا تزيده كثرة العطاء إلا جودًا وكرمًا؟إن الله هو الغني الملطلق الذي له ملك السماوات والأرض، الذي بيده ملكوت كل شيء، "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَاﻻَرْضِ"(البقرة 107)، الذي أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، إنّه مَن لا ينفَدُ ما عنده بالبذل والعطاء، "إِنَّ هَذَا رِزْقُنَا مَالَهُ مِنْ نَفَاد"(ص53)، إنّه الذي لا يَعرف البخلُ والشحُ مكانًا في ساحته وحضرته سبحانه، فلا يضيق ملكه بعطاء، ولا ينقص شيء منه إذا جاد به على مَن يُحب، فليس من سبب إذن أن يرد سائلا من عباده إذا التجأ إليه في أمر يهمُّه صغيرًا كان أم كبيرًا وهو تعالى الذي يقول: "اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم"، إلاّ إن كانت اﻹجابة في غير صالح أو صلاح السَّائل، وهو العالم بكل شيء، فيعلم ما يَصلُح لعبده وما يضره، وما يُصلِحه وما يُفسِده، أمّا السائل فإنه جاهل لا علم له أمام علمه اللا متناهي جلَّ وعلا.
"وَالله غَنِيٌّ وَأَنْتُمُ الفُقَرَاء"(محمد 38) نحن الفقراء إلى الله نحتاجه في جميع حركة نقوم بها وجميع حالة سكون نكون فيها، نحن الضعفاء لا نملك من أمرنا شيئًا، وكلّما زاد وعينا بهذا الفقر والضعف كلما كنّا إلى الله أقرب بالدعاء والالتجاء إليه، وكلّما كنّا أقرب إلى رحمة الله تعالى، أمّا إن غفلنا عن هذا أو استكبرنا ولم نستشعره ابتعدنا عن رحمة الله… 
من الجميل أن يلتجئ الإنسان إلى ربه في كل حاجاته صغيرها وكبيرها، إنِّه يعلن بذلك عبوديته الكاملة لله، قوةَ الله اللامتناهية، ملكَ الله غير المحدود، عطاءَه غير المحظور... وليس في أي طلب يتوجه به العبد إلى ربه ما يعجزه أو ينقص من ملكه شيئا، بل إنه تعالى يحب أن يكون عبده على صلة دائمة به يعود إليه في كل حاجاته، يستخيره في كل خياراته، يطلب عونه وتوفيقه في كل أعماله، فتكون يده ممدودة إلى بارئها، ويكون على صلة بالله في السرَّاء والضرَّاء. أمّا أقصى درجات الطلب فهي تلك التي تكون عند الاضطرار، "أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل 61) والاضطرار هنا يعني بأن لا يجد الإنسان أي حل سوى الالتجاء إلى الله تعالى فيفقد كل خياراته ويستنفدها، لا مخلوق على وجه اﻷرض يستطيع أن يعينه، يجد نفسه وقد أُغلقتْ أمامه كل اﻷبواب ما عدا بابه عز وجل فإنه مفتوح دائما وأبدا، حينها يكون الأمر بيده وحده سبحانه، يعطيه أو يمنعه، يدفعه أو يرده، يعينه أو يدعه… لكن الدعاء لا يغني عن السعي والعمل واتخاذ الأسباب.
كما نعلم جميعًا أن الغاية من الخلق هي العبادة، و"الدعاء مخ العباة" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ونرى أنّ في اﻵية الكريمة " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين" (المومنون 60) بعد الدعوة صريحة إلى الدعاء والعهد بالإجابة -سواء عاجلة أم آجلة-، أتى ذكر المستكبرين عن عبادته أي دعائه -كما فسر ابن كثير هذه اﻵية الكريمة- سوف ينالهم غضب من الله وعذاب شديد، وسيدخلون جهنم صاغرين أذِلّاء، وهذا موافق لقوله صلى الله عليه وسلم "من لم يدع الله ، عز وجل ، غضب عليه" ففي الدعاء إقبال العبد على الله، واﻹقبال على الله هو روح العبادة ولبُّها، وقيمة العبادة تتجلّى في أنها تشد العابد إلى المعبود وتربطه به، ومن دون هذا ما صارت العبادة عبادةً، لأن فيها  إقبال وحركة إلى الله، قصد لوجهه وابتغاء لمرضاته، واﻷهم من ذلك إعلان للعبودية والحاجة، وكل هذا يحققه الدعاء.
إنَّ الدعاء من أسباب اهتمام الله بعبده فقد قال تعالى "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُم" (الفرقان 77)  -كما جاء في تفسير ابن كثير- أي لولا اِلتجاؤنا إليه تعالى بالدعاء ما كان ليَعْبَأَ أو ليهتمَّ بأمورنا، وإذا اهتم إنسانٌ بأخيه اﻹنسان أحاطه بالرعاية، والجود والعطاء، أجاب كل حاجاته وطلباته… كما نلاحظ هذا أيضا في اهتمام الوالدين بأبنائهما ومعاملتهما لهم. ما هذا إلّا اهتمام العبد بأخيه، فكيف باهتمام الله تعالى وهو الكامل، الذي بيده الخير كله، والخلق واﻷمر جميعا، هذا وقد أحاطنا بنعم لا حصر لها دون أن نسألها، وهو من أسمائه الوهَّاب، الرزَّاق، المُجيب، الواسع، الوَدود، الغني، المُغني، الكريم… 
لو نعي هذا جيدًا لكان ذِكرنا كله دعاءً وعودةً إلى الله تعالى، لسألناه حتى في فتح الباب وملح الطعام، بل وإن وعينا ما في ترك الدعام من سخط الله تعالى لما توقفنا عنه فقد قال علي كرّم الله وجهه "الحمد لله الذي مرضاته في الطلب إليه، واِلتماس ما لديه، وسخطه في ترك الإلحاح في المسألة عليه". هل نستشعر ونستحضر كل هذا الفضل والخير ونستغله؟ أم نحن نحرم أنفسنا من هذا السلاح المعين؟ فقد قال خير الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين".
نورالدين الواهج

رغم المعاناة، رغم أنف المستعمر والعدو

تلاميذ مدرسة تجمع "أبو النوار" بعد هدم المستدمر لمدرستهم

هاهو التاريخ يعيد نفسه، رأينا قبل أيام "حفاة الأرجل ولكن…" كانوا جزائريين في الخمسينيات أيام الاستدمار، وها نحن اليوم مع صورة جديدة لأبناء فلسطين أبناء القدس، يعانون الأمرّين، بين يدي برد قارص، تحت قطرات المطر، لا سقف يحميهم، ولا جدران تضُمُّهم تمنع عنهم الريح العاتية، ولا مدفأة تردّ عنهم البرد الشديد، رغم كل هذا لا زال إيمانهم بأن العلم هو المفتاح.
نعم العلم هو المفتاح والباب والطريق، إنه جسر النجاح والنجاة، لكن هل نؤمن بهذا حقًا؟ أم نحن في حاجة إلى مستعمر (أو بالأصح مستدمر) يسلب منَّا حرّيتنا حتى نستفيق؟ تحدثت في مقالة ماضية عن "أعظم كلمة عرفتها البشرية" إنها كلمة إقرأ، كيف نزلت، وكيف خصّهاالله تعالى باهتمامكبيركإشارة لأهمية وعظمة العلم وطلبه، فـ "الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله" (كما قال الإمام عليٌّ كرّم الله وجهه).
نرى في الكثير من الصور والمشاهد كيف يولي من كان في حالة لا يحسد عليها اهتمامًا كبيرا بالعلم، بل وصارت المدارس ملاجئ لهم، وجدوا الحرية في السباحة في بحر العلوم، وجدوا المتنفس بين يدي اﻷساتذة والمشائخ، ونحن في نعمة وألف نعمة، لكن هل لنا نفس الحرقة على طلب العلم؟ هل علينا أن نكون في نفس الوضع حتى نسارع إلى تطوير أنفسنا؟
علينا أن نحسّ ونستشعر الحاجة والنقص الذي نعاني منه، فاﻹنسان مهما بلغ من تطور ورقي، إلّا أنّه مازال يستطيع التقدم أكثر، وهو بحاجة دائمة إلى العلم على اﻷقل حتى يحافظ على ذاك المستوى، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
قبل أيام كنت في طهران عاصمة الحضارة الإيرانية، تعجّبت كثيرًا لاهتمامهم بالعلم، لكن ما عجبت له أكثر هو وجود كشك في كل محطة مترو، به عالم وعالمة دين، إن كان لك أي استفسار حول مسألة فقهية يمكنك أن تجدهم بالقرب منك وفي أي وقت، تسألهم عن حاجتك فيجيبون لك، تصوروا وفي العاصمة وحدها حوالي 300 كلم من خطوط المترو،وفي كل محطة عالمين، تصوروا هذا العدد الهائل من العلماء، ونحن كم من عارفين في الدين عندنا؟ وهل مستوى هؤلاء العارفين يرقى لأن يقارن بمستوى أولائك؟ هذا إن تحدثنا عن علماء الشريعة فقط، فكيف بعلماء التخصصاتالدنيوية، وهم لديهم أفضل الأطباء والمهندسين، إضافةالاكتفاء الذاتي تقريبًا في كل المجالات، حتى وأنت تتجول في مكتباتهم تجد أنّ أكثر من 95% من الكتب كلها في اللغة الفارسية، هذا في المكتبات قرب الجامعة، والكتب في التخصصات التقنية والطبية والهندسية… فهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على عدم حاجتهم للغرب، وأن النجاح صنعوه بأيديهم…

جامعة أزاد الإسلامية بقزوين

إنهم أمة آمنوا بأن العلم هو المـخَلِّص، عرفوا مكانة العلم، فالعالم كله اليوم يشهد بقوتهم ومكانتهم، لقد احتلوا مكانة عظيمة يحسب لها ألف حساب، ما كانوا مستعمرين مثل استعمار فرنسا للجزائر، ولا مثل استعمار إسرائيل لفلسطين … لكنهم استشعروا الحاجة فحوّلُوها إلى قوة، ضيّق عليهم العدو وأغلق أمامهم اﻷبواب، فأثبتوا له أنهم ليسوا بحاجة إلى فضله حتى يحقق التطور والنجاح، إنهم مثال على التضحية واﻹيمان القوي.
سواء أبناء الجزائر في الخمسينيات، أو أبناء إيران أمس واليوم، أو أبنا فلسطين غدًا، صنعوا ويصنعون مجدًا بأيد فارغة، وأرجل حافية، بل بمنع وتضييق من الخارج، فما هو المجد الذي من المفروض أن نبنيه وقد فتحت أمامنا جميع اﻷبواب، ومدّت إلينا جميع اﻷيادي؟… 
نورالدين الواهج

حفاة الأرجل ولكن...

قيل أن هذه الصورة أخذت لتلاميذ جزائريين سنوات الخمسينيات، نعم إنهم:
حفاة اﻷرجل ولكن... عيونهم ملئى بحب العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... البسمة لم تفارق محياهم، فهم بصحبة أستاذ وقلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... السعادة تغمرهم، فهم في حضرة سبورة وطبشور...
حفاة اﻷرجل ولكن... عقولهم كلها شغف للاستزادة في العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... قلوبهم يعتصرها حب الكلمات والمعلومات...
حفاة اﻷرجل... إلاّ أنّ صدورهم سكنها نور يضيء سبيلهم، ويفتح أمامهم كل اﻷبواب...
حفاة اﻷرجل لكن السعادة تشعّ من نظراتهم البريئة، فهم أمام جنة لا حدود لها، هم أمام جنة العلم، إنهم يعانون اﻷمرين، لكنهم يجدون الراحة في طلب العلم، يجدون المتعة في الذهاب إلى المدرسة، يجدون المتعة في الاكتشاف والتعلم، ما وجدوا الوسائل المتاحة أمامنا اليوم لكنهم حققوا نجاحات أبهرت العالم، ما وجدوا اﻷنترنات لكنهم ساروا مئات الكيلوميترات، لا لشيء فقط ليبحثوا عن صحيح المعلومات، سهروا الليالي حتى يصلوا إلى المعالي، رغم الاستعمار، رغمر الاستدمار، إلاّ أنّهم كانوا على يقين بأن الخلاص لن يكون منبعه إلا من المدرسة، فذهبوا حفاة ولم يمنعم لا برد ولا شتاء، لم يردهم لا فقر ولا جوع، لم يثبط عزيمتهم لا مشاكل ولا قلاقل، إنهم أبناء عرفوا فتيقنوا بأن العلم هو أساس الحرية، إنه سرّ الخلاص من كل القيود، إنّه مفتاح اﻷمل، إنه الطريق نحو النجاح.
هؤلاء كانوا حفاة، فأين نحن منهم؟ هل يصح أن نقارن أنفسنا معهم؟ وقد وجد أغلبنا الملبس والمأكل والمشرب، واﻷمن بالخصوص، هذا دون الحديث عن باقي الكماليات التي هي للبعض ضروريات، هل من تعليق فتحريك؟ أم سنكتفي بالتأثر دقيقة ثم ننسى؟ أم ماتت القلوب والعقول؟
نورالدين الواهج