الكلمة التي غيرت مجرى التاريخ
عند بداية مطالعتي لكتاب "البوصة القرآنية" للدكتور أحمد خيري العمري، استوقفتني المقدمة الثاني في كثير من الأقوال التي وردت فيها أردت أن ألخصها في الفقرات القليلة التالية:
خلق الله الإنسان وأرسل إليه الأنبياء، فكان خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا النبي العظيم الذي - من الواجب أن – نسير على نهجه إلى يومنا هذا.
كان الخطاب الإلهي في السابق يعتمد على الإعجاز الحسي، حيث كان تعالى يخاطب في الإنسان حواسه، لكن مع المصطفى عليه الصلاة والسلام كان مختلفا، حين استعمل الخطاب الروحي الوجداني، حيث خاطب في الإنسان عقله لا حواسه لما قال كلمته الأولى "اقرأ" حجر الأساس الذي وضعه عز وجل لتأسيس علاقة إلهية جديدة؛ بطاقة تعريف للوحي الروحي الجديد.
ولكن كان لأي شخص أن يطرح سؤالا عن التناقض: (كيف ينزل أول أمر "اقرأ" على أمي) هنا يكون جوابي: هنا يكمن السر، فهذا الذي تسميه تناقضا هو الذي حرر "اقرأ" من مفهومها الضيق؛ قراءة الكتابة والمكتوب، إلى المفهوم الأوسع؛ قراءة تأملية في الكون الواسع وتصفح في أسراره وخباياه، قراءة تعبدية في النفس البشرية والغوص في أعماقها بحثا عن الكنوز الدفينة، ذلك هو العلم الذي فرضه وجوده في كل حبة خرذل، في كل نسمة هواء، عاطفة حب، نزعة خير أو شر، وكل الأمور التي تدفع النفس إلى السمو نحو قمة الجمال والشموخ، أو تهوي بها في قعر الرذيلة والانحطاط. ذلك هو العلم الإلهي علم التأمل التعبدي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: 'أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد' لكن الله تعالى كان أبلغ حين قال في أول ثلاث آيات أنزلها: "اِقْرَأْبِاسْمِ رَبِّكَ الذِّي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اِقْرَأْ ..." حيث أنه سبحانه وتعالى ذكر الحياة (حين ذكر مرحلة من مراحل تكون الجنين) بعد اقرأ مباشرة وقب اقرأ مباشرة، فهذا الأمر يدعو إلى التوقف والتأمل ولو للحظة.
كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن العلم بين الحياة والموت، لكن حديث الله تعالى كان عن الحياة بين العلم أو في وسطه، وفي ذكر ذلك إشارة إلى:
- على الإنسان أن يجع من العلم أول هدف له (بعد رضوان الله تعالى) وأول وسيلة ينبغي أن نتبعها للنجاح في الدنيا والآخرة، فهي العبادة التي على أساسها فرضت كل العبادات.
- ذكر الله مرحلة واحدة من مراحل تشكل الإنسان اللاإرادية وجوبا، فهذا من باب تسمية الكل بالجزء. فهنا إذا كان الإنسان قد استكمل كل المراحل التطورية اللاإرادية مثله مثل أي مخلوق آخر فلا أرى أي تكريم عن المخلوقات، ولكن هنا يكمن التكريم وهي المرحل الاختيارية، مرحلة "اقرأ" فهنا الإنسان مخير له أن يكون كأي مخلوق أو أن يكون شيئا مميزا حتى عن أبناء آدم –إخوته-
- وهنا أضيف أنه إذا كان الإنسان قد قصر في أداء أول فرض "اقرأ" فأنى له أن يلتزم بالفروض الأخرى.
نورالدين الواهج